ابحث في المــدونة

30‏/01‏/2012

لماذا التربية الجنسية ؟

زمن الفضاءات المفتوحة
هل حصل أن دعوت ابنك أو ابنتك كي تتحدثي معه أو معها في مسائل جنسية؟ هل تقولين في نفسك لماذا أفتح عيون أولادي على أمور لا يعرفونها، أهلنا لم يتحدثوا معنا في ذلك فلماذا نتحدث مع أولادنا؟ هل تخجلين من تناول هذه الأمور؟ الجواب هو أنه يجب أن تتدخلي. لماذا وكيف؟

الآباء والأمهات لا يدركون ربما أنهم باتوا يعيشون في زمن الفضاءات المفتوحة، زمن الانترنت والأقنية الفضائية وحرية عبور المعلومات، بعدما صار العالم قرية كونية صغيرة. والأهل لا يدركون ربما أن المنظومة القيمية والمعرفية في الزمن الحاضر مختلفة عن منظومة القرن الفائت والقرون الغابرة، ولا بد من اقامة حد أدنى من التوازن بين ما يلتقطه الأولاد (وحتى الكبار) من شاشات التلفزة والكمبيوتر، وسلم القيم الاجتماعية المحلية.
الثقافة الجنسية أو التربية الجنسية في المدارس كما في كنف العائلة، ضرورية جداً، وهي تلبي حاجة اجتماعية حقيقية وليست بكل تأكيد ترفاً فكرياً… أو قلة أدب. الأم هنا مسؤولة، كما الأب، وكل البحوث الاجتماعية تتلاقى على أن غياب الثقافة الجنسية هو أحد الأسباب الخفية للمشاكل التي تعاني منها الأسر، أو بعضها على الأقل، علماً أن مفردات هذه الثقافة مسألة ذات حساسية خاصة في المجتمعات الاسلامية المحافظة.




ويتلاقى الخبراء ورجال الدين والتربية والاعلام على أن نشر الثقافة الجنسية في المجتمع أمر صحي وضروري للحفاظ على توازن الأسرة، وكثيرة هي الحالات التي تتم معالجتها في المراكز الاجتماعية والتوعوية في غياب المدرسة والأهل معاً. ويحدث احياناً أن يتلقى ابناؤنا وبناتنا قبل وبعد سن المراهقة، قدراً كبيراً من المعلومات الصحيحة وغير الصحيحة، التي تتنافى مع قيمنا الاجتماعية والعائلية، ولا بدّ ضبطها وتوجيهها، وليس في ذلك أي تعد على الحياء أو القيم التي  نؤمن بها.
رغم هذا كله لا يزال إدخال مادة التربية الجنسية الى المناهج الدراسية يواجه رفضاً كبيراً في العالم العربي، بحجة أن ذلك مخالف للتقاليد، علماً أن النمو الجسدي عند الذكور كما عند الاناث ليس  عيباً، خصوصاً وأن الاسئلة التي ترافق هذا النمو عند المراهقين والمراهقات تتزايد وتتكثف في هذه المرحلة.


وليس سراً أن المدارس الأوروبية والغربية بشكل عام تهيئ برامج كاملة للتثقيف الجنسي في سن مبكرة، بخلاف المدارس العربية التي لا تزال تتردد في ادخال مادة التربية الجنسية في المناهج التعليمية. والمفارقة هنا أن الآباء والأمهات يرفضون احياناً السماح لأولادهم بحضور صفوف التربية الجنسية في أماكن اقامتهم الأوروبية. وكالة الأنباء الالمانية نقلت بعض المعاينات.


بنظرة ملؤها الخجل ووجنتين صبغتا باللون الأحمر من الحياء، بدت الشابة المغربية عائشة  (15 ربيعا) التي ولدت وتعيش في ألمانيا، عندما سألتها عن رأيها في مادة التربية الجنسية في المدارس الألمانية، لتجيبني بصوت منخفض: «إن هذه المادة لا تتناسب مع قواعد الأدب التي نشأت عليها وتربيت». أما الشابة التركية خديجة فلم تتمكن من إبداء رأيها، نظرا لمنع والديها لها من حضور الحصص المدرسية المقررة.  وتقول: «إن والدي يعتبر الجنس شيئا فطريا لا يحتاج إلى دروس خاصة  لتوضيحه».

وخديجة ليست الفتاة الوحيدة التي حرمت من حضور حصص التربية الجنسية. يؤكد الشاب باسل (19ربيعا) الألماني من أصول أردنية، على أن أهله قد اتبعوا الأسلوب ذاته مع أخواته الفتيات. وفي حديثه مع الوكالة، ينتقد باسل قرار أهله قائلاً: «هي مادة مهمة للذكور والإناث معا، لأنها تخفض المخاطر التي قد يتعرض لها الشباب في سن المراهقة بسبب عدم الوعي الكافي بالأمراض التي قد تنشأ بسبب العلاقات الجنسية غير المحمية مثلا».
وتوافق الشابة الألمانية هنا (21 ربيعاً) باسل رأيه، مؤكدة أن مادة التربية الجنسية يتم تلقينها في المدارس الألمانية بطريقة علمية بحتة. وتضيف هنا: «لم يكن الأمر غريبا بالنسبة الي، ويعود الفضل في ذلك الى والدتي التي شرحت لي الكثير عن الجنس بطريقة مبسطة». وتتذكر هنا ما شرحته لها والدتها آنذاك قائلة: «وضحت لي ما يقوم به النحل لدى جمعه رحيق العسل من الورود، وقالت لي إن الإنسان يقوم بأشياء مشابهة من أجل إنجاب الأطفال». وتشير هنا أيضا إلى أنه رغم تحرر المجتمعات الغربية في ما يتعلق بأمور الجنس، إلا أن الحديث عنه «يبقى أمرا محرجا بالنسبة الى التلاميذ في المدرسة».

وحالات الهلع والخوف التي يصاب بها الأهل جراء إدراج دروس التربية الجنسية في المدارس تدفع الكثير من الخبراء للدعوة إلى ضرورة توعية الأهل قبل الأطفال، وهو ما يدعو إليه الطبيب النفسي أبو بكر حركات، المتخصص في علوم الاضطرابات الجنسية في المغرب أيضا، و في حديث له الى الوكالة يوضح أبو بكر محتويات مادة التربية الجنسية بقوله «هي ليست دروسا في البورنوغرافيا، ولا تحرض على الفساد، بل تهدف إلى توعية الشباب حول التغيرات الهرمونية التي تحصل عند البلوغ، إلى جانب توعيتهم بالأمراض الجنسية المعدية ومعلومات حول المثلية». ويرى أبو بكر أن هذه المعلومات لا تتنافى مع الأخلاق الدينية السائدة في العالم العربي. ويشدد في الوقت ذاته على ضرورة إدراج هذه المواد ضمن المقررات الدراسية في الوقت المناسب «يجب أن تُدرّس في نهاية مرحلة التعليم الأساسي، أي عندما يكون الطفل في الـ11 من عمره، وهي بداية مرحلة البلوغ».
نعود الى البداية. نحن في زمن الفضاءات المفتوحة والثقافات المنفتحة على العالم كله، ويفترض بالأهل أن يدركوا أن دورهم أساسي في ايصال المعلومة الصحيحة قبل أن يفاجأوا بأنهم وصلوا الى اولادهم متأخرين.

هناك تعليق واحد:

goulha يقول...

تحيتي ومودتي